منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة، لم يعد مصرف لبنان يعلن في ميزانيته عن احتياطاته الصافية من العملات الأجنبية، وقد مرّ تصريح للحاكم بهذا الخصوص، منذ سنوات، مرور الكرام لدى الأكثرية الساحقة من الخبراء الماليين، كما لدى عامة الشعب.
قد يستغرب البعض هذه المقولة، لأن الرأي العام تعوّد على تصريحات وبيانات مصرف لبنان بأرقام "احتياطه" بالدولار الاميركي والذي وصل إلى حوالى 47 مليار دولار في يوم من الأيام. لكن منذ فترة طويلة غيّر مصرف لبنان طريقة نشره لأرقامه بحيث يُظهر الموجودات التي لديه بالعملات الأجنبية كأنّها احتياطات يمكنه استعمالها كما يشاء، بينما هي في الحقيقة وبغالبيتها الكبرى ودائع للمصارف اللبنانية ،أي هي ودائع الناس وأموالها.
تمّ صرف هذه الأموال في عدة أمور، جزء كبير منها استعمله مصرف لبنان، خلال سنوات طويلة، للحفاظ على سعرٍ الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. وبما أنّه في عالم المال كما في الكيمياء "لا شيء يضيع، لا شيء يُخلق، الكل يتحوّل"، لأن المال هو وسيلة للحصول على سلعة أو خدمة، فالسؤال المطروح: من استفاد من هذه السلع والخدمات؟
على سبيل المثال، بات الجميع يعلم أن العجز المتراكم في شركة كهرباء لبنان بلغ عشرات مليارات الدولارات. والسبب الرئيسي لهذا العجز هو الفرق الكبير بين كلفة الإنتاج وسعر البيع. هذه النتيجة لا تحتاج لتدقيق جنائي لإظهارها، بل ما ينبغي إظهاره هو التالي: لماذا لم يقم المسؤلون في شركة الكهرباء.
وفي وزارة الطاقة بزيادة، تدريجية وجزئية، على سعر الكهرباء في وقت كان المواطن اللبناني قادراً على تحمًلها لو تمّت على عدة سنوات؟ والسؤال الأهمّ الموجّه لجميع المسؤولين عن ملفّ الكهرباء في وزارة الطاقة و شركة الكهرباء هو: لماذا كانوا يقومون بزيادة الإنتاج مع عِلمهم أنهم بهذه الطريقة يزيدون العجز؟ لا شكّ أن الجواب ليس اقتصاديًا أو ماليًا.
الجواب في "السياسة الشعبوية"، وهذا ما أظهرته المعارك والبطولات الوهمية على مدار السنين، حيث استعملت السلطة جزءاً كبيراً من أموال الناس التي أودعتها المصارف في مصرف لبنان من أجل تمويل العجز في فاتورة الكهرباء. وتكون بهذه الطريقة أمّمت السلطة أموال "الأغنياء" ليستفيد منها "الفقراء" على الطريقة الماركسية.
0 Comments: