استبشر اللبنانيّون خيرًا بالزخم الدبلوماسيّ الذي شهدته الساحة السياسيّة في نهاية الأسبوع، عبر ما سُمّي بـ"حراك السفراء"، لعلّه ينجح في "الضغط"، بالحدّ الأدنى، على فرقاء الداخل، ويحضّهم على "التواضع"، وتقديم ما قلّ ودلّ من "التنازلات المتبادلة"، التي تتيح ولادة الحكومة التي طال انتظارها.
ومع أنّ هناك من يعتقد أنّ هذا "الحِراك" أريد منه، تسجيل "نقاط" في مرمى فريق على حساب آخر، في بادئ الأمر، إلا أنّ أسهمه ارتفعت، بشكلٍ معاكس، لتصل إلى "ذروتها"، مع تصريح السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الذي تحدّثت فيه صراحةً عن "تسوية" حان وقتها، بعيدًا عن المطالب والشروط الحكوميّة، والذي تقاطع مع أقوال منسوبة للسفيرة الفرنسية وغيرها.
بيْد أنّ كلّ الأجواء "المشجّعة"، إن جاز التعبير، عادت لتتبدَّد دفعةً واحدة في عطلة نهاية الأسبوع، على وقع البيان "غير الدبلوماسيّ" الذي صدر عن التيار الوطني الحر، والذي بدا "استكمالًا" لـ"حرب البيانات" التي شهدتها "جبهة" بعبدا - بيت الوسط مطلع الأسبوع، في أعقاب اللقاء "الناريّ" بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري.
وبحسب خصوم "التيار"، فإنّ المفارقة أنّ "التيار"تمسّك في هذا البيان بمقولته الثابتة عن وجود "أسباب خارجية" تمنع الرئيس المكلف من تأليف الحكومة، وتدفعه لاختلاق "حجج واهية" لعدم الإقدام، علمًا أنّ "التيار" كان يستطيع التجاوب مع صِيَغ الحريري، وبالتالي "إحراجه" فعلاً لو كان ما يسوقه صحيحًا، فيما يؤكد البعض أنّ رئيس الجمهورية لم يسمع ما "يثبّته" شكلاً ومضمونًا، خلال لقائه مع السفير السعودي.
أما "المفاجأة" الأكبر التي تضمّنها بيان التيار الوطني الحر، فتمثّلت وفق ما يقول الخصوم، في "تصعيد" الخلاف، عبر "ابتكار" معادلة جديدة، أو ما يسمّونها بـ"البدعة" الجديدة، التي يتلطّى خلفها، من دون الاستناد بالضرورة إلى أيّ أساس منطقيّ أو واقعيّ، في وجه "الثلث المعطّل"، وعنوانها "النصف زائدًا واحدًا"، رغم وجود فارقٍ جوهريّ كبيرٍ بين المسألتين، في الشكل والمضمون.
فمن حيث الشكل أولاً، يشير الخصوم إلى أنّ مشكلة "الثلث المعطّل" تختزَل بإصرار رئيس الجمهورية على "الاستئثار" بثلث المقاعد الوزاريّة لفريقه السياسي بمفرده، وليس مع حلفائه، أو وفق فرضية "الفصل" بين حصّتي الرئيس والتيار الوطني الحر، مع احتساب "الطاشناق" الذي لا يُعَدّ حليفًا، طالما أنّه جزء من الكتلة البرلمانية لـ"التيار"، في حين أنّ "التيار" مع حلفائه، ولا سيما "حزب الله" يحظى بما يزيد عن الثلث.
أما النصف زائدًا واحدًا الذي يرفض "التيار" أن يحصل عليه خصومه، فهو ينقسم على "المستقبل" وحلفائه، بما يشمل ربما الحزب التقدمي الاشتراكي و"حركة أمل"، أي كل من يتشاركون "الخصومة" مع باسيل بعدما لم يترك لنفسه "صاحبًا"، بحسب ما يقول "الخصوم"، وفي ذلك "إدانة" له في المضمون، علمًا أنّ محاولة الإيحاء بأنّه "يحتكر الإصلاح" لم تثبّتها سنواته في الحكم، والتي لم يعد يجمّلها شعار "ما خلّونا" الذي لا ينفكّ يردّده.
في النتيحة، لم يوحِ بيان التيار الوطني الحر بأنّ الزخم الدبلوماسيّ الذي قاده السفراء حقّق "الخرق" المُنتظَر، إلا إذا كان عبارة عن محاولة "قوطبة" عليه، عن طريق فرض "شروط" اللحظة الأخيرة، لتحسين الأوراق التفاوضيّة، وهو ما لا يعبّر، في كلتا الحالتين، عن شعورٍ حقيقيّ بعمق "الأزمة" التي نفد معها صبر اللبنانيين، العاجزين عن تحمّل المزيد من المماطلة والمناورة.
0 Comments: