شراكة تركية- سعودية تشمل سوريا ولبنان بالنفط والغاز والتجارة؟!
إذا كان المشروع الإسرائيلي السائد والمستمر في المنطقة، يرتكز إلى القوة العسكرية لفرض "السلام السياسي" أو بالأحرى الاستسلام على دول الجوار، فهو حتماً يرتبط بأهداف أخرى بعضها يتصل ببعد الدور الإقليمي أو تعزيز الهيمنة، إلى جانب سعي إسرائيل الدائم لإحراز درجات في التقدم على الجميع في المجالات المختلفة، وهو ما يسميه الإسرائيليون "إسرائيل العظمى" بقوتها الاقتصادية وامتداداتها وسيطرتها على جغرافيات أو ممرات ومعابر. ولأن أي حرب ستكون لها أهداف سياسية واقتصادية، فإن ما تريده تل أبيب هو ربط كل دول المنطقة باقتصاداتها وثرواتها وأمنها بسياساتها وأمنها. وقبل سنوات حاول الإسرائيليون العمل على إنشاء تحالف نفطي شرق أوسطي أطلقوا عليه إسم "ايست ميد" أي تحالف دول شرق المتوسط، وهدف هذا المشروع إنشاء ممر بحري لأنابيب النفط والغاز من دول المنطقة للتصدير إلى أوروبا. ووفق الدراسات، كانت تكلفة هذا المشروع عشرات المليارات من الدولارات. عندذاك، شعرت تركيا بتهديد استراتيجي، هي التي لها مصالحها في البحر المتوسط وحقول نفط وغاز.
لبنان بين خطين للغاز: إسرائيلي أو تركي
كانت إسرائيل تسعى إلى تكريس تحالفها مع قبرص واليونان، إضافة إلى الربط والتشبيك مع مصر والأردن. ولديها طموح إلى أن تكون الحقول اللبنانية مشبّكة مع هذا الخط. حينذاك، أُطلق مسار ترسيم الحدود البحرية في لبنان، وجرى تلزيم شركات نفطية عملية التنقيب، وسط سجال أساسي يرتبط بكيفية تصدير لبنان لمنتجاته من الغاز، لاسيما أن الدراسات الاستكشافية أشارت إلى أن لبنان لا يمتلك كميات تجارية كبرى تتيح للشركات العمل على إنشاء خط أنابيب مستقل. فوُضع لبنان بين خيارين: إما الخط الإسرائيلي وإما الخط التركي. وبعد سنوات من العمل، سقط مشروع "إيست مد" نظراً إلى تكلفته العالية جداً والخلافات السياسية وعدم إنجاز التفاهمات حول خط الأنابيب. في تلك الفترة كانت أنقرة قد نجحت في توقيع اتفاق تشاركي مع ليبيا يمنحها توسيعاً لمداها الحيوي في المتوسط. وبموجب هذا الاتفاق، أصبحت تركيا حاضرة في المتوسط ولا يمكن تجاوزها، أي تمرير الخط من دون التفاهم معها.
مشروع طريق الهند يهتزّ
قبل حصول عملية طوفان الأقصى، جرى الإعلان عن مشروع طريق الهند، والذي يربط آسيا بمنطقة الشرق الأوسط مروراً بالخليج في اتجاه حيفا، ومنها إلى أوروبا. هذا المشروع أيضاً، كان يهدّد تركيا استراتيجياً، نفطياً وتجارياً، ويهدّد مصالحها في البحر الأبيض المتوسط. وقد رفضته تركيا بشكل علني. وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة والمنطقة كلها، اهتزّ المشروع، والدول التي كانت الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تجعلها على علاقة تشاركية أو تحالفية مع إسرائيل لتمرير هذا المشروع في مواجهة المشروع الصيني في "حزام وطريق" شعرت نفسها مهددة من إسرائيل.
مصلحةٌ لتركيا والسعودية معاً
غيَّرت الحرب الإسرائيلية توازنات المنطقة ومعالمها. في الموازاة سقط نظام بشار الأسد، فيما حققت تركيا تقدماً على الساحة السورية، وهي لا تزال موضع منافسة مع إسرائيل. بسقوط الأسد، تعززت فرص تحسين العلاقة بين تركيا ودول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي تعتبر ما جرى في سوريا ذا أهمية استراتيجية بالنسبة إليها. فعملت على تعزيز حضورها هناك وتثبيته، إلى جانب تعزيز حضورها في لبنان من خلال التوازنات السياسية التي فُرضت. وفي الموازاة التقت المصلحة الإستراتيجية لتركيا والسعودية معاً على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا ومركزيتها، لأن الرياض تعتبر أن أي اهتزاز للحكم الجديد سيسمح لإيران بالعودة إلى بسط نفوذها والتأثير في الساحة السورية. أما أنقرة فتعتبر أن أي اهتزاز في مركزية الدولة السورية سيكون له انعكاس عليها، لاسيما ما يتعلق بمسألة "الأكراد" في شمال شرق سوريا.
خطّ الـM5
ليست الحسابات سياسية فقط، بل هي ذات بعد اقتصادي واستراتيجي، خصوصاً بعدما أعلن وزير النقل التركي، قبل أسابيع، العمل على إعادة إنشاء خط قطار الحجاز وتشغيله. وهذا الخط يعني تعزيز وتفعيل العلاقة مع السعودية التي ستكون مركزيتها الساحة السورية، واعتماد خط تجاري جديد يمرّ في البرّ السوري من خلال اعتماد خط الـ M5 الذي يربط جنوب سوريا بشمالها وصولاً إلى الحدود التركية، ومن الجنوب يمتد في اتجاه الأردن ومنه الى السعودية. وهذا الخط الذي يُراد العمل عليه هدفه تركيز اعتماد ممرات التجارة على الطريق البري من السعودية في اتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا، كما يمكن الارتكاز إلى الساحل السوري كمنفذ في اتجاه أوروبا. وفي ذلك تتم الاستعاضة عن ممرّات البحر الأحمر والتهديدات التي كانت قائمة ولا تزال وتؤثر على مسار الرحلات التجارية.
"مرفأ بيروت في مواجهة مرفأ حيفا"
ذلك لا ينفصل عن السعي إلى ربط لبنان والعراق بهذا المشروع. فلبنان ينتظر الاستفادة من وصول النفط والغاز عبر الأنابيب السورية في اتجاه المصافي اللبنانية، كما أن خط الـM5 يلتقي في شمال سوريا مع خط الـM4 والذي يصل إلى حدود العراق. ويطمح لبنان إلى تعزيز دور مرافئه، ولا سيما في بيروت وطرابلس، لأداء دور نشط في التصدير في اتجاه أوروبا. وهنا لا يمكن إغفال معادلة برزت قبل سنوات، وهي معادلة "مرفأ بيروت في مواجهة مرفأ حيفا"، هذا المرفأ الذي تريد إسرائيل تعزيز دوره وتكبيره ليكون مرتكز التصدير من المنطقة نحو أوروبا.
منطقة خالية في سوريا واقتصادية حرة في لبنان
كل ذلك يشكل أبرز عناصر التنافس بين تركيا وإسرائيل في سوريا. وأما لبنان فلا يمكنه أن يكون بعيداً. فتل أبيب التي تريد إقامة منطقة خالية من السلاح في سوريا مع ممرات آمنة بالنسبة إليها، تريد في لبنان فرض منطقة عازلة في الجنوب أطلق عليها الأميركيون إسم منطقة اقتصادية حرة، وحتماً لها ارتباط بحقول الغاز اللبنانية في البحر المتوسط، وكيفية التنقيب والاستخراج والتصدير لاحقاً. فمشروع إسرائيل واضح في سعيها إلى السيطرة على ذلك. أما تركيا فكانت لها قبل سنوات محاولة للدخول في شراكة مع لبنان في ما يتعلق بالتنقيب والاستخراج، باعتبار أن الأنبوب التركي في اتجاه أوروبا جاهز.

0 Comments: